بين اجتثاث النازية في ألمانيا ومحاسبة نظام الأسد: عدالة غائبة ومأساة مستمرة

بين اجتثاث النازية في ألمانيا ومحاسبة نظام الأسد: عدالة غائبة ومأساة مستمرة

 

 دروس من اجتثاث النازية لسورية ما بعد الاسد 

 جرائم الإبادة والخيانة التي تصدم الإنسانية ودروس من اجتثاث النازية 

       مقدمة:      

في الثامن من هذا الشهر، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا مع سقوط نظام الأسد، ليظهر للعالم حجم الجرائم البشعة التي ارتكبها هذا النظام خلال عقود من الاستبداد. كشفت الوثائق والشهادات عن ممارسات إبادة جماعية وتعذيب ممنهج في سجون مثل صيدنايا وتدمر، إضافة إلى خيانة وطنية من خلال التعامل السري مع إسرائيل. هذه الجرائم تجعل من الضروري تبني عدالة انتقالية شاملة مستوحاة من التجربة الألمانية في اجتثاث النازية، لضمان بناء مستقبل خالٍ من الاستبداد والخيانة.

  جرائم نظام الأسد: تاريخ من الوحشية والخيانة  

 1. الإبادة الجماعية والتعذيب في السجون 

 •سجن صيدنايا: 

وُصف بأنه “المسلخ البشري”، حيث تعرض المعتقلون لأساليب تعذيب وحشية مثل التجويع، الضرب حتى الموت، والإعدامات الجماعية التي كانت تتم بلا محاكمة.

أظهرت تقارير حقوقية مثل تقرير “قيصر” صورًا لآلاف الجثث التي تحمل علامات التعذيب والتجويع، توثق مقتل أكثر من 11,000 ضحية في السجون.

 •سجن تدمر: 

أحد أكثر السجون وحشية في العالم، شهد مجازر جماعية، أبرزها مذبحة 1980 عندما اقتحمت قوات النظام السجن وأعدمت أكثر من 1,000 معتقل رمياً بالرصاص.

 •فروع الأمن: 

أصبحت هذه الفروع رمزًا للرعب في سوريا، حيث تعرض المعتقلون لشتى أنواع التعذيب، مثل الصعق الكهربائي والاغتصاب والإعدام البطيء. تشير التقارير إلى مقتل ما يزيد عن 100,000 شخص في هذه المعتقلات منذ اندلاع الثورة.

 2.الخيانة الوطنية: بيع الجولان والتعاون السري مع إسرائي  

كشفت الوثائق المسربة بعد سقوط نظام الأسد عن تعاملات سرية بين النظام السوري وإسرائيل، تضمنت تنسيقًا أمنيًا واتفاقيات خفية تهدف إلى حماية النظام مقابل التنازل عن الحقوق الوطنية والقومية. تعد هذه الوثائق دليلًا دامغًا على خيانة حافظ الأسد الذي باع الجولان ضمن صفقات غير معلنة لضمان بقائه في السلطة، رغم تبنيه خطابًا عدائيًا لإسرائيل لعقود. لم يكن النظام السوري صادقًا في شعارات “المقاومة والممانعة” التي رفعها طوال فترة حكمه، بل استخدمها غطاءً لخيانته الوطنية، بما في ذلك التنازل عن أراضٍ سورية استراتيجية. رغم الخطاب المعادي لإسرائيل الذي كان النظام يتبناه علنًا، كانت الممارسات خلف الكواليس تشير إلى خيانة واضحة لمبادئ المقاومة التي ادعاها النظام لعقود. من جهة أخرى، أظهرت الوثائق أيضًا أن هذه الخيانة لم تكن مجرد قرارات سياسية، بل كانت جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد للنظام لحماية وجوده على حساب الشعب السوري ومصالحه الوطنية. لا يمكن فصل هذه الخيانة عن الجرائم التي ارتكبها النظام بحق السوريين، من إبادة جماعية وتعذيب وحشي في سجون مثل صيدنايا وتدمر، إلى تهجير الملايين وتجويع المدن المحاصرة

 3. المجازر الجماعية بحق المدنيين 

 •استخدم النظام سياسة الأرض المحروقة، ما أدى إلى إبادة آلاف المدنيين في مجازر مثل: 

 •مجزرة الغوطة الشرقية (2013): هجوم بالأسلحة الكيميائية أودى بحياة أكثر من 1,400 مدني، معظمهم من النساء والأطفال. 

 •مجزرة الحولة (2012): قُتل فيها أكثر من 100 مدني، بينهم أطفال ونساء، ذبحًا وطعنًا. 

 •مجزرة داريا (2012): راح ضحيتها أكثر من 500 شخص بعد اقتحام قوات النظام للمدينة. 

  دروس من ألمانيا: اجتثاث النازية نموذجًا لمحاسبة الجناة  

 1. محاكمة المجرمين وتحقيق العدالة: 

 •كما حاكمت ألمانيا رموز النازية في محاكمات نورمبرغ، يجب تقديم جميع رموز نظام الأسد، بدءًا من المسؤولين الكبار وصولاً إلى منفذي الجرائم، إلى العدالة الدولية. 

 •لا يجب أن تقتصر المحاكمات على الجرائم الداخلية، بل تشمل خياناته الوطنية وجرائمه ضد الإنسانية. 

 2. اجتثاث الفكر الاستبدادي وتجريم رموزه: 

•جرّمت ألمانيا كل رموز النازية وشعاراتها لضمان عدم عودة أيديولوجيا الكراهية. في سوريا، يجب حظر كل رموز وشعارات النظام البعثي والأسدي، لأنها تمثل عقودًا من القمع والوحشية.

 3. بناء ذاكرة وطنية للحقيقة: 

•كما وثقت ألمانيا جرائم الهولوكوست لتعليم الأجيال القادمة، يجب توثيق جرائم الأسد وتعليمها في المناهج الدراسية لتعزيز ثقافة العدالة ومنع تكرار المأساة.

 4. إصلاح المؤسسات وتطهيرها: 

•كما طهرت ألمانيا مؤسساتها من النازيين، يجب تطهير مؤسسات سوريا من أي فلول و بقايا للنظام البعثي، بما يضمن الحيادية وخدمة الشعب.

 

 نحو سوريا جديدة: بناء الدولة المدنية على أنقاض الاستبداد 

 1.عدالة انتقالية شاملة: 

 العدالة ليست خيارًا، بل ضرورة لبناء الثقة بين السوريين. يجب إنشاء محاكم وطنية ودولية لمحاكمة المتورطين في الجرائم والإبادة الجماعية. 

 2.مصالحة وطنية مبنية على الحقيقة: 

 لا يمكن تحقيق مصالحة دون الاعتراف الكامل بالجرائم المرتكبة، تعويض الضحايا، وضمان عدم تكرارها. 

 3.إعادة بناء مؤسسات الدولة: 

 المؤسسات الأمنية والعسكرية يجب أن تكون تحت إدارة مدنية منتخبة، تلتزم بحماية المواطنين، لا قمعهم. 

 4.إحياء المجتمع المدني: 

 تعزيز دور المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لضمان الشفافية والمساءلة. 

       خاتمة:       

مع انكشاف جرائم الإبادة والتعذيب والخيانة بعد سقوط نظام الأسد، تقع على عاتق السوريين مسؤولية ضمان محاسبة المجرمين وبناء دولة مدنية قائمة على العدالة والحرية. التجربة الألمانية في اجتثاث النازية تقدم دروسًا لا تُقدر بثمن لسوريا: مواجهة الماضي بشجاعة، ومحاكمة المجرمين، وإصلاح المجتمع هي الأساس لضمان عدم عودة الاستبداد. سوريا تستحق مستقبلًا أفضل، وهذا المستقبل يبدأ الآن.

        بقلم: بسام قريشي

||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||

 

 

 

 

 


Bassam Alkarishy

14 مدونة المشاركات

التعليقات
Pierre Martin 4 ث

مقالة رائعة تفتح أفقًا جديدًا للتفكير في مستقبل سوريا ما بعد الأسد. ربط التجربة الألمانية بإعادة بناء مجتمع عانى من الاستبداد يُظهر فهمًا عميقًا لكيفية تحويل مآسي الماضي إلى فرص للمستقبل. العدالة الانتقالية ليست فقط وسيلة لمعاقبة المذنبين، بل هي أيضًا أداة لإعادة بناء الثقة والمواطنة. نأمل أن يتمكن الشعب السوري الحبيب من الاستفادة من هذه النماذج العالمية لتحقيق التغيير الذي طال انتظاره.