سجن صيدنايا: رمز الطغيان احدى أدوات قمع نظام الأسد

“تابوت الموت والمسلخ البشري” كابوس تم إجتثاثة للآبد.

     هول الجريمة     

سجن صيدنايا ليس مجرد منشأة احتجاز، بل هو رمز للرعب والقمع الممنهج الذي مارسته سلطة الأسد على السوريين لعقود. إنه “تابوت سوريا المرعب”، حيث تُستخدم أبشع أساليب التعذيب، ويُدار بقبضة من حديد لا تعرف الرحمة. أصبح اسم “صيدنايا” مرادفًا للموت والتعذيب، شاهداً على مآسي الآلاف من المعتقلين، بعضهم قتل تحت وطأة التعذيب والبعض الآخر لا يزال مجهول المصير.

  تاريخ القمع في صيدنايا  

بُني سجن صيدنايا عام 1987 ليكون شاهداً على قوة نظام حزب البعث وسيطرته المطلقة على الشعب السوري. لم يكن السجن مجرد منشأة احتجاز، بل أداة قمعية تُستخدم لترهيب وإسكات المعارضين السياسيين والمدنيين، مما جعله رمزاً لسطوة النظام وقبضته الحديدية. إلى جانب سجون أخرى مثل تدمر والمزة، كان صيدنايا محوراً رئيسياً في شبكة قمع النظام التي استهدفت أعداءه الحقيقيين والمفترضين.

يقع السجن بالقرب من دير صيدنايا التاريخي، على بعد ثلاثين كيلومتراً شمال دمشق، مما يجعله في موقع استراتيجي بعيداً عن الأنظار وقريباً من مراكز السلطة. تديره الشرطة العسكرية التي عُرفت بوحشيتها وأساليبها القمعية، ليصبح السجن بمثابة "دولة داخل الدولة"، حيث لا قانون ولا محاسبة سوى ما يقرره النظام.

  ينقسم السجن إلى قسمين رئيسيين:  

    السجن الأحمر:    

وهو القسم الأكثر قسوة ورعباً. يُحتجز فيه المدنيون والسياسيون الذين يتهمهم النظام بدعم "الإرهاب". يُعرف هذا القسم بظروفه اللا إنسانية، حيث يُمارس فيه أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي على السجناء.

لحظة فتح ابواب السجن الاحمر

08.12.2024 

اضغط للمشاهدة

    السجن الأبيض:    

مخصص للعسكريين المتهمين بمخالفة القوانين العسكرية أو الذين يشتبه في ولائهم. ورغم أنه أقل قسوة من السجن الأحمر، فإنه لا يخلو من الممارسات الوحشية التي تهدف إلى كسر إرادة المعتقلين.

كان تصميم السجن بأكمله يهدف إلى فرض السيطرة المطلقة ومنع أي محاولة للتمرد. أُنشئ ليكون قلعة محصنة، تعمل فيها كل تفاصيل البناء لخدمة آلة القمع، في تجسيد حقيقي لرؤية النظام الذي يرى في كل مواطن معارض عدواً يستحق التنكيل.

  تصميم الجحيم  

صُمم السجن لتحصين سلطات النظام ضد أي تمرد داخلي. مبانيه الثلاثة، على شكل شعار مرسيدس، تلتقي في نقطة مركزية تُسمى “المسدس”، وهي الأكثر تحصيناً وتُدار فيها أشد أنواع القمع. الزنازين الانفرادية والمهاجع الجماعية صُممت لتكون أدوات لتعذيب نفسي وجسدي، بعيدة عن أي بصيص أمل أو شمس.

مجزرة صامتة: صيدنايا بعد الثورة

مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، ازداد سجن صيدنايا شراسةً في ممارساته القمعية، ليصبح مركزاً رئيسياً لتعذيب وقتل كل من يُشتبه في معارضته للنظام. تحوّل السجن من منشأة احتجاز إلى مسلخ بشري، يُنقل إليه المعتقلون يومياً بأعداد كبيرة، بينهم نساء، وشباب، وكبار في السن. كان الاتهام الجاهز الذي يُلصق بهم غالباً هو "دعم الإرهاب"، وهو مصطلح استخدمه النظام لتبرير حملة القمع الواسعة التي شنها ضد المدنيين والناشطين السياسيين.

تحت جدران صيدنايا السميكة، اختفت الآلاف من الأرواح في ظروف مأساوية تكتنفها السرية. لم تُعطَ العائلات أي معلومات عن مصير أحبائها الذين تم اعتقالهم، لتعيش في حالة دائمة من القلق واليأس. تشير تقارير حقوقية إلى أن نحو 30 ألف معتقل لقوا حتفهم في صيدنايا منذ عام 2011.

  آليات القتل داخل السجن  

  الإعدام الجماعي:  

كان يُنفذ بشكل دوري في منتصف الليل، حيث يُنقل المعتقلون إلى مواقع الإعدام بعد جلسات تعذيب طويلة. أُفيد بأن الإعدامات تُنفذ عن طريق الشنق، وأحياناً تُستخدم أساليب أخرى أكثر وحشية لترهيب باقي المعتقلين 

  التعذيب الوحشي:  

اعتمد الحراس وضباط السجن على التعذيب الجسدي والنفسي لتحطيم إرادة المعتقلين. شملت أساليب التعذيب الضرب المبرح، الصعق الكهربائي، والحرمان من النوم والطعام، مما أدى إلى وفاة عدد كبير من المعتقلين.

  الجوع والمرض:  

كان الحرمان من الطعام والعلاج الطبي أداة قمع إضافية. تُرك العديد من المعتقلين ليموتوا بسبب سوء التغذية أو الأمراض التي تفشت نتيجة انعدام النظافة وسوء المعاملة.

  سياسة التعتيم والترويع  


فرض النظام السوري تعتيماً كاملاً على ما يجري داخل صيدنايا، حيث لم تُسمح لأي جهة حقوقية أو إنسانية بدخول السجن. شُددت الرقابة على جميع العاملين فيه لضمان عدم تسرب أي معلومات. كان الأهالي يواجهون صعوبة بالغة في معرفة مصير أبنائهم، وكثيراً ما كانوا يُتركون فريسة للشائعات والمعلومات المضللة.

  شهادات الناجين: الموت أرحم من الحياة  

الناجون من صيدنايا يروون قصصاً تفوق التصور. وصف أحدهم زجّه في غرفة مليئة بالجثث المحنطة فوق أكوام من الملح، حيث تلاشت إنسانيته أمام هذا المشهد المرعب. آخرون تحدثوا عن إجبار المعتقلين على الاختيار بين قتل أقاربهم أو الموت، وعن تجارب أكل لحوم البشر في معتقلات أخرى اعتبروها “جنة” مقارنة بصيدنايا.

  المحرقة البشرية  

في عام 2017، أكدت تقارير أمريكية ودولية بناء محرقة داخل السجن للتخلص من الجثث. منظمة العفو الدولية كشفت أن النظام كان يشنق ما بين 20 إلى 50 شخصاً أسبوعياً في منتصف الليل، ثم تُحرق جثثهم في هذه المحرقة.

اضغط بالاسفل للمشاهدة

   الاهالي يقتحمون الباستيل السوري سجن صيدنايا في يوم الاحد 8.12.2024  

  نهاية الكابوس  

في 8 ديسمبر 2024، ومع سقوط نظام الأسد، انتهى كابوس صيدنايا. تم تحرير السجناء الذين نجوا من جحيم هذا السجن الرهيب، وبدأ السوريون فصلاً جديداً من الحرية والكرامة، بعد عقود من الظلم والقهر.

صيدنايا ليس مجرد سجن؛ إنه شاهد حي على وحشية نظام الأسد، ونداء لكل شعوب العالم لعدم الصمت أمام الاستبداد والقمع.

في هذا اليوم التاريخي، الثامن من كانون الأول، نشهد لحظة طال انتظارها وزوال حقبة مظلمة من القمع والوحشية تحت نظام الأسد. نبارك لشعبنا السوري العظيم تحرير وطننا الغالي وبدء عصر جديد من الحرية والكرامة. لقد أثبتتم بشجاعتكم وتضحياتكم أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن الثورة من أجل الحرية والعدالة تستحق كل غالٍ ونفيس. اليوم نحتفل بانتصار الحق على الطغيان، وبميلاد سوريا الجديدة، سوريا التي تحتضن أبناءها جميعاً، وتعيد بناء حاضرها ومستقبلها بأيدي أبنائها الأحرار. تهنئة من القلب لشعبنا السوري البطل، ولأرواح الشهداء الذين زرعوا بدمائهم بذور النصر. المجد لثورتكم المجيدة، والخلود لتضحياتكم. سوريا اليوم حرة بكم ولأجلكم.

 

بقلم بسام قريشي


Bassam Alkarishy

16 مدونة المشاركات

التعليقات
Pierre Martin 11 ث

“تحفة كتابية مذهلة!”
إذا كنت تبحث عن مقالة تجسد الحقيقة بقوة الكلمة وتكشف أعمق أسرار الظلم والقمع.
أسلوب مميز، سرد مشوق، وتحليل عميق يضعك في قلب الأحداث.
هذه ليست مجرد كلمات، بل صرخة حق تُخلد في التاريخ.
أبدعت في إيصال المعاناة والحقيقة بطريقة تجعلنا نتأمل ونتفاعل.
تحية كبيرة لكاتب المدونة الأستاذ بسام! 👏 المجد للحقيقة والحرية!