مملكة الرعب والدماء
فيصل غانم: مدير سجن تدمر ومعمار الوحشية
فيصل غانم (مواليد 1950 في قرية بسنادا قرب اللاذقية) كان ضابطًا في الجيش السوري برتبة رائد. في مايو 1980، تم ندبه لإدارة سجن تدمر العسكري بتوصية من رفعت الأسد، شقيق الرئيس حافظ الأسد، في ظل امتلاء فروع الأجهزة الأمنية بمعتقلي جماعة الإخوان المسلمين والمشتبه فيهم.
خلال فترة إدارته، شهد السجن مجزرة مروعة في 27 يونيو 1980، حيث قتلت قوات سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد نحو ألف سجين أعزل، انتقامًا لمحاولة اغتيال فاشلة لحافظ الأسد. اشتهر غانم بوحشيته وضلوعه في عمليات تعذيب ممنهجة، واستغل منصبه لتحقيق مكاسب مادية عبر تلقي رشاوى ضخمة من أهالي المعتقلين، ما جعله يراكم ثروة هائلة.
في يونيو 1984، وبعد تدهور العلاقة بين حافظ ورفعت الأسد، أُعيد غانم إلى الجيش، حيث خدم حتى تسريحه عام 2000 برتبة عقيد. في سنواته الأخيرة، تزوج مرة أخرى في سن الخامسة والخمسين، لكنه توفي لاحقًا بجلطة أثناء مشاهدته خطابًا لحسن نصر الله.
في تاريخ القمع السياسي والإنساني في سوريا، يحتل سجن تدمر العسكري مكانة مروعة بين أكثر الأماكن وحشية على الإطلاق. ومن بين القائمين على هذا السجن، يبرز اسم فيصل غانم، الضابط الذي أدار هذا السجن بفكر قاسٍ ونهج دموي، محولاً إياه إلى مسرح للرعب والتعذيب.
سجن تدمر: مرفق للتعذيب والموت
مع تزايد أعداد المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين والمشتبه فيهم خلال صراع السلطة في الثمانينيات، قرر حافظ الأسد استخدام القسم الغربي من سجن تدمر كمركز لاحتجاز الموقوفين السياسيين. في مايو 1980، كان فيصل غانم، وهو ضابط علوي، على موعد مع دخول هذا السجن كمدير، بترشيح مباشر من رفعت الأسد، الذي استخدم السجن كأداة لترهيب المعارضين وتصفية خصومه.
غانم لم يكتفِ بممارسة القمع؛ بل كان يدير السجن وكأنه مزرعة خاصة له، مستفيدًا من النفوذ الطائفي والسلطوي. خلال فترة إدارته، شهد السجن أحداثًا دامية، أبرزها مجزرة يونيو 1980 التي نفذتها سرايا الدفاع، حيث تم قتل ما يقارب ألف معتقل أعزل انتقامًا لمحاولة اغتيال حافظ الأسد.
لم يخيّب السفاح غانم ظن رفعت الاسد نائب رئيس الجمهورية السوري لشؤون الأمن القومي وعضو القيادة القطرية لحزب البعث وقائد سرايا الدفاع والشقيق الأصغر للرئيس السوري السابق حافظ الأسد ، كنيته أبودريد ومهمته أنه كان ينتقم من الموقوفين خلال صراع السلطة مع الإخوان، إثر محاولة اغتيال شقيقه الرئيس، وين يرسل السجناء والمعارضين لسجن تدمر اين تتم تصفيتهم بعد تعذيبتم بأبشع الطرق.
كان مدير السجن فيصل غانم يواظب على زيارة زنزانات معظم الدفعات الواصلة حديثاً إلى «سجنه»، يسبقه طاقم ينشرون الرعب ويوقفون المعتقلين إلى الجدران، مغمضي الأعين مطأطئي الرؤوس غالباً، فيما يتجول المدير بينهم ليسأل هذا عن اسمه وذاك عن عمله وآخر عن رتبته التنظيمية.
أساليب التعذيب والموت
ولكن في يوم ما من العام 1983 حصل أمر غير مسبوق. فقد ساقت عناصر الشرطة العسكرية المعتقلين إلى ساحة السجن، وامتلأت الأسطح بجنود آخرين مسلحين، بانتظار قدوم المدير الذي كان بعضهم يراه لأول مرة، وعند وصوله ألقى على رعاياه محاضرة عن حب الوطن، ثم سألهم إن كانت لديهم شكاوى أو مطالب. كان السجناء يتعرضون لأصناف من الوحشية ألجمت ألسنتهم، غير أن بعضهم تجرأ، تحت الإلحاح المغري المتجدد من المدير، فاشتكى من نوعية الطعام، أو طالب بإدخال الأدوية، كما ناشد محكومون بالبراءة الإفراج عنهم، فيما أبدى آخرون رغبتهم في فتح باب الزيارة في اليوم التالي كانت الفاجعة الكبرى .... بكل وحشية مرّ العناصر على الزنزانات وعذبو وقتلو كل من أدلى بملاحظات او تصريحات ... بإستثناء أولئك الذين تكلمو عن الزيارات فقد تم العفو عنهم لسبب خبيث، ففي السابق كانت زيارة أي سجين في هذا السجن أمراً في غاية الصعوبة، قيل إن الزيارات الخاصة النادرة التي جرت في هذا السجن كانت بموافقة شخصية من حافظ الأسد، حتى كبار ضباط المخابرات كانوا مضطرين إلى التحايل بإعادة طلب المعتقل للتحقيق، بدعوى ظهور مستجدات، وهناك، في «فروعهم»، كانوا يرتبون لقاء غير رسمي بعد الحصول على رشوة!
بهذه الطريقة دخلت أموال وفيرة إلى جيوب القادة العسكريين العلويين الذين كان سجن تدمر في نطاقهم؛ فيصل غانم تنبه للأمر وجعل من زيارة اهالي السجناء لأبنائهم استثمار جنى منه الملايين، فقد كان يقبض مبالغ طائلة على أهالي السجناء الذين يريدون رؤية ابنائهم! لم تكن النقود وحدها تذكرة لرؤية السجناء بل كان فيصل غانم يطلب المصوغات والعقارات والسيارات الفخمة، وتقول تقارير أن الزائرين يحصلون على فرصة استثنائية للقاء مفقودهم في مكتب مدير السجن ذاته، بعيداً عن الشبك أو الغرفة الرثة للمساعد والعناصر المترقبين. مرة واحدة على الأقل كان ثمن الزيارة سيارة مرسيدس جديدة رُكِنت خارج السجن واستلم غانم مفتاحها داخله.
الفساد والاستثمار في الألم
بالتدريج رأى غانم أن هناك أبواب رزق أخرى في استغلال السجناء، فالسجانون يتم تزويدهم من غانم وحاشيته بكميات وافرة من الألبسة والأغذية يتم بيعها بمبالغ ضخمة أين يتحتم على أهالي السجناء شراءها بمبالغ ضخمة قبل تقديمها لذويهم القابعين في هذا السجن، فكان أعوان السجن يربحون ايضا الكثير من المال عبر هذه التجارة الوحشية، وهكذا ضمن غانم أن لا يتسرب قرش خارج منظومة فساده. لم تدُم أيام الرخاء طويلاً فقد كان الصراع قد اشتد بين حافظ ورفعت، وانتهى بالإطاحة بالأخير وتقليم أذرعه الممتدة في أجهزة السلطة، وهو ما طال محسوبه مدير السجن فيصل غانم، والذي أنهي ندبه وأعيد إلى الجيش في 1984 عاد غانم للحياة العسكرية حتى تسريحه عام 2000 برتبة عقيد، وأثناء ذلك بني قصره في الهنّادي وتابع التردد إلى مدينة تدمر التي كوّن فيها علاقات بناها على توريد المواد التموينية اللازمة للسجن!
فيما كان هناك نظام صارم في السجن في أوقات الليل، وكان المخالفون يتعرضون للضرب بالفلقة في اليوم التالي. بعض السجناء الشباب كانوا يفتدون غيرهم بأن يأخذوا العقوبة عنهم. أتقن فيصل كيف يبدي وجهاً متواضعاً وودوداً خارج «عمله»، عندما لا يكون مشغولاً بتخريج أسماء قتلى التعذيب أو بتنظيم حفلات الإعدام التي كانت تجري مرتين أسبوعياً وحصدت أرواح الآلاف في عهده.
وبما أن السفاح فيصل رفعت لم ينجب من زوجته الأصلية فقد طلب يد امرأة تدمرية مطلّقة وقد تطلّع إلى أن يكون له وريث. في الخامسة والخمسين تزوج الضابط المتقاعد مجدداً. وقبل أن يهنأ بمولودته فاجأته الجلط بينما كان يشاهد خطاباً متلفزاً لحسن نصر الله.
إرث من الدماء والمعاناة
شملت الشهادات المتواترة التي قدّمها السجناء السابقون في سجن تدمر قائمة طويلة من وسائل التعذيب التي كانت تستخدم على مدار السنوات في داخل السجن، والتي أدت إلى مقتل آلاف من الأشخاص بشكل يومي.
وتظهر الشهادات أن بعض أنماط التعذيب في سجن تدمر لم يسبق أن استخدمت في أي مكان آخر حول العالم وتظهر نمطاً وحشياً غير مسبوق في التعامل مع السجناء. وقد كان السجانون في تدمر يمتلكون صلاحية مطلقة في قتل السجناء أثناء التعذيب، بل كانت إدارة السجن تتأكد من قيام كل السجانين بالمشاركة في أعمال القتل. وتتضمن أعمال التعذيب التي كان يتم ممارستها في السجن الضرب بالأسلاك الكهربائية والسياط وكل ما يقوم مقامها، بالإضافة إلى رمي المعتقلين من ارتفاع حتى تتكسر عظام السجين، وتكسير العظام والجمجمة بالضرب المباشر بالحذاء العسكري وأخماص البندقية، بالإضافة إلى أساليب التعذيب الأخرى المتعارف عليها في سجون النظام الأخرى، مثل الكرسي الألماني والصعق بالكهرباء.. الخ.
وإلى جانب التعذىٍب الجسدي، مورست في سجن تدمر أصناف وحشية من التعذيب المعنوي، والمتمثل في شتم المعتقل بشكل مستمر، ومنعه من مشاهدة سجانيه ومعذبيه طيلة فترة سجنه، ومنعه من التحدث مع زملائه... الخ من الأساليب التي كانت تهدف إلى الحط من الكرامة وهاذي شهادات عن التعذيب في سجن تدمر منقولة عن الاخوة السوريين .. في هذا السجن السعال ممنوع الأخ عبدالرحيم مجلاوي – من قرية سرجة جبل الزاوية – عطس فسمعه الشرطي – والسنة أن من سمع العاطس يقول له يرحمك الله – لكن تشميت العاطس في سجن تدمر على أيدي مجهولي النسب وكثيري الآباء
شرب الماء بعد العصر أمر خطير العنابر القريبة من الذاتية – كان سكانها – يتوقف عن شرب الماء بعد العصر – حتى لا يتضايق ليلاً – ويحتاج دورة المياه فإذا مرَّ شطري من أمام باب العنبر وفتح لوَّة الباب وهي قطعة بِشكير – ورآه ذاهباً – أو راجعاً إلى عازله – علَّمه – وفي الصباح تدور رحى العذاب ولقد شحَّت علينا المياهُ في آخر عام (1982) فكنا نشرب بسدَّادة مضربان الطحينة – حيث كان نصيب المجموعة مضربان واحد في اليوم أو اثنان لم أعد أذكر – وهذا في عنبر (34) .
الفرق بين من دخل السجن بتهمة الإخوان- أو بتهمة إسلامية أياً كانت – ومن دخله بتهمة حزب اليمين – البعث العراقي – كان الشاب الذي دخل السجن بتهمة إسلامية إذا جاءته زيارة – وزّعها على إخوانه – أما البعثي اليميني فيحتفظ بها لنفسه. أصحاب الشعر الطويل كان أهالي السجناء من الأغنياء – يصلون إلى رئيس السجن (فيصل غانم) ويغدقون الهدايا عليه – من المال الطائل والسيارات والعسل – فيسمح لأولادهم بتربية الشعر – ولا يستطيع الشرطي أن ينالهم بأذى – وعندما يزورونهم يجدونهم بحالة جيدة – ويالهول الصدمة – عندما يزورونهم مرة ثانية فلا يجدونهم لقد نُفِّذَ فيهم حكم الإعدام. في عنبر (33) وكان رئيسه الأخ ياسر عوني – طبيب من بانياس – بينما كان الشباب في التنفس من بانياس – ونادى الشرطي واقفاً – فوقف – الجميع – لكن رجلاً مُسناً تهالك على نفسه – وقام ببطءٍ شديد – فأشار الرقيب للشرطة أن أنهوه – فقتلوهُ بالعصي والركل بالأقدام - حدثني بهذا الحديث أحد السجناءِ. في إحدى ساحات تدمر – بحرةُ ماءٍ مهجورة – فكان الزبانية يأتون – بالأخ – ويضعون عنقه على جدارها من الأعلى وينام عليه كالوسادة – ثم ينزل الجلادُ على عنقه بالعصا فيسقط ميتاً ... هذه بعض الشهادات باللهجة السورية نقلتها لكم .. وفي نهاية الثريد ما علينا الا ان نقول حسبنا الله هو نعم الوكيل وكان الله في عون كل سجين تم تعذيبه ظلما وقسرا في السجون السورية
خاتمة: نهاية حقبة الظلم وانتصار إرادة الشعب
على مدار ثلاثة وخمسين عامًا، عانى الشعب السوري من استبداد نظام الأسد، بدءًا من حافظ الأسد الذي أرسى أسس القمع بيد حديدية، إلى ابنه بشار الأسد الذي تجاوز كل الحدود في جرائمه. كانت سنوات حكمهم حقبة مظلمة اتسمت بالقتل الجماعي، الاغتصاب، التعذيب، والاختفاء القسري. حُكم سوريا كأنها مزرعة شخصية، حيث تم سحق حقوق الإنسان ومصادرة كرامته بأبشع الطرق التي لم يشهدها العالم في تاريخه الحديث.
لكن في عام ٢٠٢٤، حقق الشعب السوري انتصاره العظيم. أسدل الستار على هذه الحقبة المظلمة، وطُويت صفحة من أسوأ الأحقاب التي عرفتها الإنسانية. بإرادة لا تقهر، انتصر الشعب السوري على الطغيان، لتبدأ سوريا مرحلة جديدة من الحرية والكرامة. لعله درس تاريخي يُذكر أن الظلم مهما طال، فإن إرادة الشعوب هي المنتصرة دائمًا، وستبقى سوريا الحرة شاهدة على ذلك.
"حسبنا الله ونعم الوكيل في كل ظالم. رحم الله أرواح الأبرياء، وكان في عون كل من عانى من الظلم والاستبداد."
بقلم: بسام قريشي
—---------------------------------------------------------------------------------------------
Mary Mary 5 ث
سجن اخر وهناك الكثير من السجون التي لم نسمع عنها اكتشفت على إثر الثورة سجن تدمر مملكة الرعب والموت ... يختارون من يحملون فكر قاسي ونهج دموي يحولون السجن إلى مسرح للرعب والتعذيب وحوش على هيئة انسان ..كلمة انسان لاتمت لهم بصلة ..غانم كان الاوجب أن يكون اسمه خائن ينددون بالخونة وهم من خانو وطنهم وشعبهم ..غانم أدار السجن بعنصرية طائفية.. مع الاسف سجن تدمر وصيدنايا فاق الخيال ..سمعنا عن سجن بوغريب في العراق وسجن الباستيل في فرنسا ..توقعنا أنهم من اظلم السجون ...واليوم صدمنا بسجون وطننا ...فلتحيا سورية حرة أبية وستبقى حرة بهمة شبابها ورجالها ونساؤها وأطفالها ..الشعب السوري صامد دوما لديه إرادة وقوة لا تخنع ولا تركع مهما اشتد الظلم لابد للشمس أن تشرق وهاهي اشرقت شمس الحرية في وطني الحبيب واخيرا أسدل الستار على هذه الحقبة المظلمة وطويت اسوأصفحة في الأحقاب بإرادة شعب لا يقهر ستبقى ذكرى دائمة تتحدث عن إرادة الشعب السوري رحم الله كل الشهداء .
المدونة مذهلة للحقيقة ،جهودك مقدرة ولك ترفع القبعة استاذي الكريم على كل ما تقدمه ،قراءة المدونة أخذ مني وقت ..فكيف كتابتها؟..لك كل الشكر والف تحية لعقلك النيير نحن بانتظار المزيد ...دمت بخير ايها الحر النبيل ستبقى سوريا شامخة بوجود احرار شرفاء امثالك يبحثون عن الحقيقة دوما ....تحية لكل حر شريف في سوريا ..على امل بغد اجمل وافضل صديقي المقدر .