أبو محمد الجولاني:
من قائد جهادي إلى زعيم سياسي في سوريا
أبو محمد الجولاني، واسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع، هو شخصية بارزة في الصراع السوري. لعب دورًا مركزيًا في قيادة الفصائل الجهادية وتحولات المعارضة السورية، ما جعله أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا وإثارة للجدل في المنطقة.
النشأة والخلفية
وُلد أحمد حسين الشرع عام 1982 في الرياض، المملكة العربية السعودية، لعائلة سورية من القنيطرة. نشأ في سوريا بعد عودة عائلته عندما كان في السابعة من عمره. تلقى تعليمه في المدارس السورية، ثم التحق بجامعة دمشق لدراسة الطب، لكنه لم يُكمل دراسته، إذ انخرط في العمل الجهادي بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
البدايات في العراق والانضمام للقاعدة
في العراق، عمل الجولاني تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، حيث شارك في عمليات تنظيم القاعدة. أُدين بالمشاركة في هجمات ضد القوات الأمريكية والمدنيين، شملت تفجيرات استهدفت مناطق شيعية وأخرى ذات أهمية أمنية. دفع هذا دوره في هذه الهجمات الولايات المتحدة إلى الإعلان عن مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إليه. تم اعتقاله لاحقًا وقضى فترة في سجن بوكا، الذي لعب دورًا كبيرًا في تعزيز ارتباطه بالقاعدة وصقل مهاراته القيادية.
تأسيس جبهة النصرة والولاء للقاعدة
في 2012، بعد اندلاع الثورة السورية، عاد الجولاني إلى سوريا ليؤسس جبهة النصرة. كان هدفه المعلن إسقاط نظام بشار الأسد، مع التزام أيديولوجي بتنظيم القاعدة. تحت قيادته، أصبحت جبهة النصرة من أقوى الفصائل المسلحة في سوريا، رغم أنها أثارت الجدل بسبب توجهاتها المتشددة وعملياتها ضد الأقليات.
الانفصال عن القاعدة وتشكيل هيئة تحرير الشام
في 2016، أعلن الجولاني فك ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة، محاولًا تحسين صورة الجماعة دوليًا. غيّر اسمها إلى “جبهة فتح الشام”، ثم اندمج مع فصائل أخرى لتشكيل “هيئة تحرير الشام” عام 2017. الهيكل الجديد ركز على تقديم نموذج حكم في إدلب، مع استمرار الأعمال العسكرية ضد النظام السوري.
نموذج الدولة في إدلب: حكومة الإنقاذ السورية
عمل الجولاني على إنشاء حكومة الإنقاذ السورية، التي تُدير الشمال الغربي لسوريا، خاصة في إدلب.
•الإدارة المدنية: تضمنت إدارة الخدمات، التعليم، والصحة، مع تطبيق قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية.
•الاقتصاد: اعتمدت المناطق على التجارة عبر الحدود مع تركيا، إلى جانب موارد داخلية مثل الزراعة.
•الأمن: أسست الهيئة جهازًا أمنيًا قويًا لقمع المعارضة وضمان السيطرة.
رغم الانتقادات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، حاول الجولاني إظهار إدلب كمنطقة مستقرة تحت قيادته.
التعامل مع الطائفة الدرزية
•حادثة قلب لوزة (2015): في إدلب، هاجمت عناصر من جبهة النصرة قرية قلب لوزة الدرزية، مما أدى إلى مقتل عشرين مدنيًا. أثارت الحادثة استنكارًا واسعًا، واعتُبرت تهديدًا للتعايش الطائفي.
•محاولات التهدئة: بعد الحادثة، حاول الجولاني التخفيف من التوترات بإطلاق تصريحات تؤكد حماية الأقليات، إلى جانب زيارات مناطقية، وإنشاء مشاريع خدمية.
لكن، وُجهت اتهامات بممارسة ضغوط على الطائفة الدرزية لتغيير معتقداتهم الدينية.
محاولات تحسين الصورة والابتعاد عن التطرف
منذ 2016، بدأ الجولاني بتقديم نفسه كزعيم أكثر اعتدالًا. ظهر في عدة مناسبات بملابس مدنية، وأطلق تصريحات تسعى لجذب الدعم الشعبي والدولي. كما ركز على مكافحة الجماعات المتشددة الأخرى في المنطقة، مما أتاح له فرض سيطرته الكاملة على إدلب.
الوضع الراهن بعد سقوط نظام الأسد (2024):
•سقوط النظام: في ديسمبر 2024، انهار نظام بشار الأسد بعد صراع طويل مع المعارضة السورية، وسط احتجاجات داخلية وتوترات إقليمية. في 20 ديسمبر 2024، أعلنت "وزارة الخارجية الأميركية" إلغاء جائزة 10 ملايين دولار للإدلاء بمعلومات عن أحمد الشرع، التي أعلنتها عام 2017 ضمن برنامج "مكافآت من أجل العدالة
أصبح الجولاني الزعيم الفعلي لكل المناطق السورية المحررة، حيث يسعى لتوحيد المناطق تحت حكمه.
•الرؤية السياسية: يدعو إلى انتقال منظم للسلطة، مع التركيز على حماية مؤسسات الدولة وتقديم ضمانات للأقليات، في محاولة لكسب الدعم المحلي والدولي.
التحديات الراهنة
1.المعارضة الداخلية: تواجه هيئة تحرير الشام انتقادات من بعض الفصائل المعارضة التي ترفض سيطرة الجولاني.
2.الأزمة الاقتصادية: تعاني الدولة السورية اليوم من ضعف الموارد وارتفاع تكاليف المعيشة.
3.العلاقات الدولية: رغم محاولاته تحسين صورته، يظل الجولاني مرفوضًا من عدة أطراف دولية بسبب تاريخه مع القاعدة.
الخاتمة
يمثل أبو محمد الجولاني حالة استثنائية في الصراع السوري. من قائد جهادي متشدد إلى زعيم سياسي يسعى لتقديم نفسه كوجه قابل للقبول دوليًا، تبقى مسيرته محط جدل واسع. بينما يحاول توحيد مناطق سوريا بعد سقوط الأسد، فإن مستقبله ومستقبل سوريا تحت قيادته يظل مليئًا بالتحديات.
بقلم :بسام قريشي
Basem Maklad 3 ث
المدونة تقدم سردًا شاملاً لمسيرة أبو محمد الجولاني وتحولاته من قائد لتنظيمات متشددة إلى زعيم سياسي بارز في المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد. التطرق إلى تعامله مع الطائفة الدرزية في إدلب يعكس محاولة المدونة لتسليط الضوء على الأبعاد الطائفية والاجتماعية للصراع.
رؤية الجولاني السياسية التي تركز على الانتقال المنظم للسلطة وكسب دعم الأقليات تضيف بُعدًا جديدًا لتحليل شخصيته وتحولاته. ومع ذلك، قد يكون من المفيد إضافة مزيد من التفاصيل حول نموذج الدولة التي يسعى لتأسيسها، وأثرها على المجتمع السوري على المدى البعيد، مع الإشارة إلى الانتقادات التي واجهها من خصومه.
في المجمل، المدونة ثرية بالمعلومات وملفتة، وتقدم نظرة متوازنة على شخصية جدلية في تاريخ سوريا الحديث.