️ جبل باشان
حين يستعيد الجبل اسمه الأول
حين يتجلّى الجبل كما تتجلّى الروح: قراءة درزية في وحدة الوجود والذاكرة
النداء القديم
ثمة لحظة في التاريخ حين تصحو الجبال.
تهتزّ الأرض لا من زلزالٍ، بل من ذاكرةٍ تُبعث.
حين تهمس الصخور بأسمائها الأولى قبل أن تمسّها اللغات،
وحين تتذكّر الأرض من كانت قبل أن تُعاد كتابتها بأقلام الملوك والأنبياء.
من هنا تبدأ حكاية جبل العرب،
أو كما سُمّي في زمنٍ لاحق جبل الدروز،
ذلك الجبل الذي ظلّ شامخًا بين النسيان والتأويل،
إلى أن بدأت تلوح في الأفق دعوةٌ خافتة لإعادة اسمه الأصلي: جبل باشان.
لكن ما الذي يعنيه أن نعيد تسمية الجبل؟
هل هي مجرّد محاولة لغوية؟
أم أنها في جوهرها فعل وعيٍ يعيدنا إلى ما قبل الذاكرة السياسية، إلى جذور الروح؟
باشان في الذاكرة القديمة
قبل أن تُولد الدول وتُقسّم الخرائط،
كانت هذه المنطقة الممتدّة من السويداء إلى درعا وصولاً إلى مرتفعات الجولان
تُعرف باسم باشان — كلمة وردت في النقوش الكنعانية والآرامية والعبرانية القديمة،
تشير إلى أرضٍ عالية خصبة، مفعمة بالبراكين والبازلت الأسود،
تُشبه في صلابتها قلوب أبنائها وفي خصبها أرواحهم.
في التوراة يُقال إن ملكها كان عوج ملك باشان،
آخر ملوك “الرفائيين” — سلالة الجبابرة الذين وُصفوا بأنهم قوم عظام القامة وعظام القلب.
وروي أن سريره الحديدي كان بطول أربع أذرع وعرض ذراعين،
كناية عن قوةٍ تتجاوز حدود الإنسان العادي.
لكن الرمزية هنا أعمق من مجرد ضخامته الجسدية؛
فعوج باشان يُمثّل آخر مَن حمل ذاكرة الجبابرة —
الذين كانوا نصف بشرٍ ونصف وعيٍ سماوي، كما تصفهم الأساطير الرافدية والكنعانية.
على ضوء هذه الشواهد، يرى كثير من الباحثين في الميثولوجيا المشرقية أن باشان هي المرشّح الأول والأقوى لأن تكون أرض العمالقة الأصلية في الذاكرة الإنسانية.
فهي تقع تمامًا في القلب الجغرافي بين بلاد الرافدين وكنعان، أي بين موطن الأنوناكي البابليين وموطن النيفيليم الكنعانيين.
كما أنّ آثارها — من رُجْم الهِرِّي في الجولان إلى الأبنية البازلتية الضخمة في جبل العرب — تقدّم دلائل مادية على حضارةٍ سابقةٍ استعصى تفسير هندستها على علماء الآثار.
وهكذا تغدو باشان ليست مجرّد اسمٍ توراتي، بل احتمالاً أثريًا حقيقيًا لأرض الجبابرة الأولى التي انطلقت منها الأسطورة إلى نصوص الديانات اللاحقة.
باشان في الوعي القديم لم تكن “بلاد العمالقة” فحسب،
بل كانت بوابة بين العالمين:
العالم المنظور والعالم الذي يختبئ خلف الظلال،
بين الأرض والسماء، بين الجسد والروح.
⚔️ من باشان إلى جبل العرب
حين سقطت الممالك القديمة وابتلعتها الحروب والإمبراطوريات،
لم يسقط اسم باشان دفعة واحدة، بل انطمر تحت الروايات.
تبدّلت الأسماء كما تتبدّل الأديان،
حتى جاء العهد العثماني،
فأطلق على الجبل اسم “جبل الدروز” نسبةً إلى الطائفة التي احتمت به من عسف الزمن.
ثم جاء القرن العشرون،
فاستبدلت القومية العربية الاسم إلى “جبل العرب”،
في محاولة لصهر الهويات الطائفية في بوتقة واحدة.
لكن الجبل ظلّ كما هو —
لا هو درزيٌّ صرف، ولا عربيٌّ محض —
بل ذاكرة ما قبل الأسماء.
الاسم في جوهره ليس مجرّد تعريفٍ، بل بوصلة هوية.
وحين يُبدّل الإنسان اسم أرضه،
فإنه يبدّل علاقته بذاكرته.
فـ”جبل الدروز” ربط الذاكرة بالانتماء المذهبي،
و”جبل العرب” ربطها بالانتماء القومي،
لكن “جبل باشان” يعيدها إلى الانتماء الكوني — إلى الإنسان الأول الذي كان يرى في الجبل معبدًا، لا حصنًا سياسيًا.
باشان … أرض الوعي الأول
في الموروث القديم، كان باشان موطنًا لما يُعرف بـ“الرفائيين” أو “النيفيليم” —
كائنات ذات أصلٍ سماوي، وُصفت بأنها المرحلة الفاصلة بين الإلهي والبشري.
كانوا الجسر بين السماء والأرض،
رمزًا للعظمة المفقودة في الإنسان حين فقد وعيه الكوني واكتفى بحدود الجسد.
ولذلك، ظلّت فكرة “العمالقة” حيّة في الذاكرة الجمعية،
رمزًا لعصرٍ ذهبيٍّ انتهى حين ضاق الإنسان بعقله عن روحه.
فحين نقول “باشان”، فإننا لا نتحدث عن جغرافيا فحسب،
بل عن ذاكرة الوعي البشري قبل انقسامه.
عن الأرض التي عرف فيها الإنسان أنه جزء من نظامٍ أعظم،
قبل أن تُختزل علاقته بالسماء في نصوصٍ وسيطة.
? العودة إلى الاسم ليست حنيناً… بل يقظة
حين يطالب البعض اليوم بإعادة التسمية إلى جبل باشان،
فهم لا ينادون بتغييرٍ إداريٍّ أو تاريخيٍّ سطحي،
بل بتحرير الجبل من الأطر المفروضة عليه.
هم يريدون أن يقولوا:
“لسنا نتبع مذهباً ولا قومية، نحن أبناء هذه الأرض كما كانت قبل التصنيفات.”
إعادة الاسم هي تحرير الذاكرة من التاريخ السياسي،
هي عودة إلى الزمن الكوني حين لم يكن الإنسان عربياً ولا درزياً ولا سورياً،
بل كائناً ناطقاً بالدهشة، يحاور الجبل كما يحاور الله.
البعد الدرزي في الوعي الباشاني
من منظور التوحيد الدرزي العميق،
كل شيء في الكون واحد،
والروح تعود وتتجلّى في أشكالٍ متعدّدة كي تكتمل.
فكما تتقمّص الروح لتطهّر نفسها،
يمكن أن يتقمّص الجبل اسمه الأول كي يعود إلى طاقته الأصلية.
وبذلك يصبح جبل باشان رمزًا للتجلّي،
ولرحلة الوعي من الطائفة إلى الكونية،
من الاسم المحدود إلى النور الشامل.
الدرزي الذي يعرف معنى الوحدة لا يرى في باشان سوى مرآةٍ للذات الكلية،
حيث تختفي الحدود بين الماضي والحاضر،
وتتجلّى الهوية الكونية للإنسان الذي وعى أنه وعيٌ متجسّد، لا جسدٌ واعٍ.
الجبل ككائن حي
حين نعيد لجبل باشان اسمه،
فكأننا نوقظه من سباتٍ طويل.
فالأسماء ليست مجرد حروف، بل ذبذبات ذاكرة.
وحين تنطق باسمك الأول، يستجيب فيك القديم المنسيّ،
كأنّ الأرض نفسها تتذكّر من كانت قبل أن تُرسم عليها الحدود.
إننا لا نُعيد التسمية فقط، بل نعيد للجبل روحه،
روحه التي احتضنت حضاراتٍ منسية،
وشهدت قيام الأنوناكي والكنعانيين والأنبياء،
واحتضنت صلواتٍ بلا كتب، وأدعيةً بلا لغة.
⚖️ الخاتمة
من الاسم إلى الوعي
أن نعيد الجبل إلى اسمه الأول “باشان”،
هو أن نعيد لأنفسنا ما فقدناه في الطريق الطويل بين الأسطورة والسياسة.
هو أن نعترف أن الهويّة لا تُبنى على ما ورثناه،
بل على ما نتذكّره من حقيقتنا الأولى.
فالجبل لا يُعرّف بمن يسكنه، بل بمن يعي صوته.
باشان ليست مكاناً فقط، بل حالة وعي.
من يسكنها بذاكرةٍ صافية، يسمع صدى العصور يتردّد في البازلت:
“كنتُ هنا قبل أن تُكتب أسماؤكم،
وسأبقى بعد أن تنسونني،
لأنني لست جبلاً… أنا الوعي الذي تجسّد في حجر.”
بقلم: بسام القريشي
شتوتغارت – ألمانيا
Mary Mary 3 i
مااعمق تلك الرحلة وماامتعها رحلة بين الأسطورة والتاريخ تكشف عن عودة اسم الجبل إلى الأصل النوراني أنها لمفخرة لنا أن يكون أصله نور ووعي أنه ارض الجبابرة اخر ملوك مملكة باشان هو الملك عوج كان عملاقا يصطاد الحوت من البحر ويشويه على أشعة الشمس ،جبل باشان اسم هز عرش بني أمية جميعنا يعلم جبل الريان الذي تغنى به الشاعر جرير بن عطية عندما قال ،،ياحبذا جبل الريان من جبل ،وحبذا ساكن الريان من كان ،، اسم الريان هو ترجمة عربية لباشان الأرض الخضرة والغنية بالخيرات ارض مرتفعة ممهدة خصبة وردت بالحغرافيا والتوراة كانت تدل على منطقة جغرافية في جنوب سوريا بقي هذا الاسم إلى وقت الفتوحات الإسلامية والاحتلال الفرنسي اطلق عليه جبل الدروز عندما قسمت سوريا إلى خمسة أجزاء ،جبل الدروز رمزية تاريخية ،سمي الجبل بأسماء كثيرة اقدمها باشان اصل جغرافي كنعاني ،حيث يلتقي البازلت بالسماء ويلتقي الإنسان بالروح هاهي الروح تعود إلى جسدها فالجبل كان ومازال مرآة لكل من سكنه وآمن بقدسيته ،حين تصحو الجبال تهتز الأرض من ذاكرة تبعث لتبدأ قصة إعادة جبل الباشان جبل الصمود والتحدي ،ليس الحالة مجرد إعادة تسمية إنما هي أعمق بكثير في الجوهر يعيدنا إلى جذور الروح ،تلك الأرض المفعمة بالبازلت تشبه في صلابتها قلوب ابنائها وتشبه في خصوبتها خصوبة أرواح أهلها ،باشان ليس مجرد اسم نوراني بل اثارا حقيقية لأرض الجبابرة الأولى التي كانت منبع الأسطورة لتنبثق منها الديانات اللاحقة ،ليكون بداية لطريق النور للعالم الذي يختبا خلف الظلام ،مهما حاولوا قديما اخفاء عظمة هذا الجبل إلا أن التاريخ يكشف سر الحقيقة وجوهرها ،سيبقى اسم الباشان ذاكرة ماقبل التاريخ وليس فقط تعريف إنما بوصلة معرفة لإعادة الإنسان إلى الانتماء الكوني إلى النور شمس الحقيقة ،لخصت في مقالك الرائع كل ماهو مطلوب وغير معروف مع براهين موثقة بأسماء تاريخية ،كم نحن بحاجة لهذا المقال لمعرفة اصل جبل الباشان جبل العرب او جبل الدروز ليس المهم هو الاسم أنما الاهم هو جوهر هذا الاسم وعملقته وسر تسميته بهذا الاسم ،كما أن الباشان أرض الوعي الاول ،كذلك انا اقول لك أن فكرك هو مكان الوعي الاول الذي نستمد منه دوما معلومات قيمة تحوي كل ماهو جديد ومميز ،سعيدة جدا بقرائتي لهذا المقال لما فيه من عزة ومفخرة لاصولنا العريقة التي لم تكن يوما الا منبع أصالة ورو ح ورقي وحضارة سامية ،مثل حروفك سامقة شامخة ،نحن بانتظار كل ماهو جديد من فكرك النيير وقلمك المبدع تحياتي واحترامي ليراعك الذي ينير العقول ويفتح الابواب علينا دوما للنقاش والحوار الراقي استاذي المقدر .