التعليم بين الأسطورة والعلم: كيف يساهم الانغلاق في تدمير مستقبل الأجيال؟

ردي على اسلامة المناهج في سورية من قبل هيئة تحرير الشام

 

        مقدمة        

 التعليم هو العمود الفقري لأي أمة تسعى للتقدم، لكنه يصبح كارثة حين يتحول إلى أداة لتلقين العقائد أو الترويج للخرافات. في هذه المدونة، نتناول بعمق القضايا التي تهدد حيادية التعليم، بدءًا من محاولات فرض الطابع الديني على المناهج الدراسية، مرورًا     بفكرة الإعجاز العلمي في النصوص الدينية، وصولًا إلى التناقضات التي يواجهها الطلاب بين العلم والخرافة في مدارسنا

   حيادية التعليم: حجر الأساس لمجتمع صحي  

المدرسة يجب أن تكون مكانًا محايدًا يجمع الجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو الثقافية. إدخال الدين إلى المناهج الدراسية بشكل مفرط يشوه هذه الحيادية، ويحوّل التعليم من وسيلة للارتقاء الفكري إلى أداة لغسل الأدمغة. يكفي أن تكون البيوت أو أماكن العبادة هي المساحة المخصصة لتعليم الدين، بينما يجب أن تظل المدرسة مكانًا لتعليم العلوم والمنطق والقيم الإنسانية المشتركة.

   العودة إلى الوراء: تغيير المناهج وتعميق الظلام  

سياسة إدخال الطابع الديني إلى المناهج الدراسية، كما يحدث في سوريا الآن، تعيدنا عقودًا إلى الوراء. بدلاً من تعليم الأطفال التفكير النقدي والإبداعي، يتم تلقينهم نصوصًا دينية أو خرافات لا تُناسب العصر الحديث. كيف يمكن بناء جيل مبدع إذا كانت المناهج نفسها تُشوّه المفاهيم العلمية وتُرسّخ الفكر الأسطوري؟

  التناقض الصارخ: بين الأسطورة والعلم  

كيف يمكن لطالب أن يفهم العالم إذا سمع في حصة الديانة أن رجلاً ركب بغلًا وصعد إلى السماء، ثم في حصة الفيزياء يتعلم عن قانون السببية أو نظرية النسبية؟ هذا التناقض يخلق صراعًا داخليًا في ذهن الطالب، مما يؤدي إلى اضطرابات فكرية ونفسية.على سبيل المثال، الفيزياء تعلّمنا أن لكل فعل رد فعل، وأن الظواهر الكونية تخضع لقوانين صارمة يمكن فهمها واختبارها. في المقابل، تُقدَّم الأسطورة كحقيقة مطلقة، دون أي مجال للتساؤل. كيف يمكن للطالب أن يوازن بين هذين العالمين؟ هذا الانفصام الفكري يقتل روح الإبداع، ويترك جيلاً ممزقًا بين الإيمان الأعمى والمنطق العلمي.

  الإعجاز العلمي: محاولة لإثبات النصوص بدل فهم العالم  

فكرة الإعجاز العلمي هي انعكاس واضح لأزمة فكرية عميقة تعيشها بعض المجتمعات الإسلامية، حيث يتم التركيز على إثبات أبدية النصوص الدينية بدلاً من السعي لفهم العالم بطريقة مستقلة ومنفتحة. هذه المحاولات ليست إلا محاولة لتجميل حالة العجز الحضاري، حيث يتم البحث عن اكتشافات علمية غربية، ثم إسقاطها بشكل قسري على النصوص الدينية لتبدو وكأنها سبقت العصر.اذا كانت النصوص الدينية بالفعل تحتوي على “عالم من المعرفة”، فلماذا لا نرى علماء ومبدعين من هذه المجتمعات يستخرجون منها حلولًا علمية غير مسبوقة؟ لماذا لا تبدأ الاكتشافات العلمية من هنا، بدلاً من انتظار الغرب ليُنتج الفكرة أولًا .الإعجاز العلمي ليس إبداعًا، بل عكسه تمامًا: إنه إعادة تدوير مبتذلة لأفكار مستوردة يتم إلباسها لباس النصوص. هذه العملية لا تُضيف شيئًا إلى العلم، بل تُظهر حالة من التخلف الفكري. عندما تُحاول مجتمعات بأكملها استيراد الاكتشافات العلمية ثم تُعيد تفسير النصوص لتُثبت أنها “كانت مكتوبة من قبل”، فإنها تُظهر افتقارها الكامل إلى الابتكار والقدرة على المشاركة الحقيقية في تطوير العلوم.

   الإعجاز العلمي: لماذا العلاقة في اتجاه واحد فقط؟    

أكثر ما يكشف سخافة فكرة الإعجاز العلمي هو هذه العلاقة الأحادية: الغرب يكتشف، والمسلمون يفسرون. إذا كانت النصوص الدينية تحوي “علمًا مطلقًا”، فلماذا لا يبدأ الابتكار العلمي من داخل هذه المجتمعات؟ لماذا لا ينبثق منها قانون النسبية، أو الجاذبية، أو اكتشاف ينقذ الأرواح؟ الإجابة بسيطة: لأن النصوص ليست مصدرًا للعلم، بل هي تفسيرات مبهمة تُستخدم كأداة لخلق الوهم بأنها تحوي إجابات لكل شيء.بدلاً من أن تكون النصوص مصدرًا للإلهام الروحي، يتم تحويلها إلى مختبر علمي زائف. المجتمعات التي تروج للإعجاز العلمي تظل أسيرة هذا الاتجاه الأحادي: تستورد الأفكار من الخارج، ثم تُعيد تدويرها لإثبات أن “كل شيء كان مكتوبًا مسبقًا”. هذا العجز الفكري لا يساهم في النهضة العلمية، بل يُكرّس التخلف ويُظهر هذه المجتمعات كمتفرج ينتظر دائمًا ما يُبدعه الآخرون.المفارقة الأشد هو أن هذه المحاولات لا تضر فقط بالعلم، بل تُشوّه الدين نفسه. النصوص ليست بحاجة إلى أن تُثبت صحتها من خلال العلم، كما أن العلم لا يحتاج إلى الدين ليُبرّر وجوده. عندما ندخل في هذه المعركة الوهمية بين النصوص والعلم، نخسر الطرفين: فلا النصوص تُصبح أكثر مصداقية، ولا العلم يتقدم بفضلها. لماذا لا تكون العلاقة بين الدين والعلم علاقة احترام متبادل؟ لماذا لا نترك الدين في مجاله الروحي والأخلاقي، ونترك العلم في مجاله البحثي والابتكاري؟ طالما أن العلاقة بقيت أحادية الاتجاه، سيظل التخلف سيد الموقف، وستظل هذه المجتمعات عالقة في دوامة استيراد الأفكار بدلًا من إنتاجها.اذا كانت النصوص هي “مفتاح العلوم”، فلماذا لا نرى علماء من داخل هذه المجتمعات يُبدعون؟ الجواب بسيط ومباشر: لأن الإبداع الحقيقي لا يُبنى على إسقاط النصوص، بل على التجربة والبحث المستقل، وهما ما نفتقده في هذه المجتمعات المنغلقة.


 أثر التعليم المُشوَّه: أجيال بلا هوية واضحة  

هذا النوع من التعليم، الذي يخلط بين الخرافة والعلم، يُنتج أجيالاً تعاني من اضطرابات نفسية وفكرية. بدلاً من بناء إنسان مستقل وقادر على التفكير النقدي، يتم خلق أشخاص يعانون من الانفصام، غير قادرين على التمييز بين الحقائق العلمية والخرافات الدينية.على سبيل المثال، الطفل الذي يسمع عن “الإسراء والمعراج” كحقيقة مطلقة، ثم يدرس قوانين الفيزياء التي تنفي إمكانية حدوث مثل هذه الأمور، يجد نفسه عالقًا بين عالمين متناقضين، مما يضعف ثقته بنفسه وبقدراته العقلية.

 الهدف: بناء تعليم يعيد الإنسان إلى مركزه  

الغاية من هذه المدونة ليست مهاجمة الدين أو التقليل من قيمته الروحية، بل تسليط الضوء على ضرورة إعادة التعليم إلى مساره الصحيح. يجب أن نُخرج الدين من المدرسة، ونتركه في البيوت وأماكن العبادة، مع التركيز على تعليم الأطفال التفكير النقدي والمنطق واحترام التنوع. التعليم يجب أن يكون وسيلة لبناء الإنسان، لا وسيلة لتعميق الانغلاق أو تبرير الخرافات. إذا أردنا بناء مجتمعات صحية ومزدهرة، يجب أن نعيد النظر في مناهجنا وفي الطريقة التي نقدم بها العلم والدين لأطفالنا.

        الخاتمة:        

الاختيار بين العلم والأسطورة ليس مجرد خيار فكري، بل هو اختيار يحدد مستقبل أجيال بأكملها. إذا أردنا أن نصبح جزءًا من العالم الحديث، علينا أن نختار العلم والعقل كركائز أساسية للتعليم، مع احترام الدين كخيار شخصي وروحي. المجتمع الذي يفشل في هذا الفصل سيبقى عالقًا في ظلام الماضي، غير قادر على مواجهة تحديات المستقبل.

      بقلم بسام قريشي            

 


Bassam Alkarishy

14 مدونة المشاركات

التعليقات
Mary Mary 2 ث

هل نرضى أن تكون مناهجنا لبث الكره بين أبناء سوريتنا الام وأن يبتعد الواحد عن الآخر لانه ليس من دينه أو من طائفته ،علم الوراثة ونظريات في الرياضيات وآبيات شعر في العربي لغتها من المناهج لماذا،ماالهدف من ذلك ،وحذف زنوبيا من التاريخ على أساس أنها شخصية خيالية ..لنقرأ مابين السطور ونستوعب مالذي يريدونه ،من تغيير وتعديل المناهج حسب رأيهم ،ان كان الدستور يحتاج لسنوات ليتم تعديله ،كيف قدر لهم أن يغيروا المنهاج في ساعات ،المنهاج العلم المعرفة ،العلم هو العامود الفقري لاي أمة تريد أن تنهض، لكنه يصبح كارثة حين يتحول إلى أداة لتلقين العقائد أو الترويج للخرافات اي عقول هذه ،انها ليست عقول أنها سموم تريد أن تتفشى في عقول اولادنا ،اولادنا يجب أن يكونوا خط احمر ،الامة التي تريد أن ترتقي وتنهض فلتبدا بنهضة العلم والسعي للتطوير والسعي إلى تعليم أبناؤها وليس تعقيدهم ،التعليم هو حجر أساس لصحة المجتمع وهو الأساس لبناء دولة قوية وصحيحة نعم كما تفضلت ،كيف لأبنائنا مواجهة هذه التخبطات في المناهج.
الاختيار بين العلم والأسطورة ليس مجرد خيار عابر،انما هو اختيار يحدد مستقبل جيل كامل كي نرتقي إلى الأمم المتقدمة علما وأخلاقا علينا بالبداية في العلم ،والعقل هي الركائز الأساسية للنهضة،مع الاحترام للدين ،فلبيقى اختيار شخصي وروحي لا نستقدمه على العلم ،اذا فشل المجتمع في الفصل بين العلم والدين سيبقى عالقا في ظلام الماضي ولن يستطيع مواجهة تحديات المستقبل .
المدونة مذهلة حقا تستحق كل الثناء وكل الشكر استاذ بسام .
مدونتك هذه تستحق الوقوف عندها والتأمل بمحتواها الفكري والعلمي لما تحمله من مسؤلية ومحبة لأطفالنا في سبيل العلم والمعرفة ،مدونتك تستحق النشر على جميع الأصعدة فليحيا العقل النيير وسلمت يداك وعاش يراعك الذي خط وتعمق بهذه المدونة التي تنم عن عقل واعي وفكر لا متناهي في المعرفة والتفرد دمت بخير ودام العقل السليم تحياتي لك ايها العظيم إلى المزيد من الابداع.