جبل الشيخ: بوابة الأرواح وساحر الأساطير

هي رحلة عاطفية ومشوقة تروي قصة جبل الشيخ (حرمون) كرمز ساحر في بلاد الشام. بأسلوب دافئ يشبه الحديث القلبي، تستكشف المقالة أساطير الملائكة، الروحانية العميقة للدروز، وتأثير الاحتلال الإسرائيلي منذ 1967، مع الإشارة إلى موقعه على خط العرض 33° المرتبط بدمشق وبيروت، والماسونية. عبر قصص إنسانية مثل حنين عجوز درزية، وصور شاعرية كـ”الثلج يُقرص الأصابع”، تجعلك تعيش الجبل. تنتهي بحلم بالوحدة، فتكون قصة ملهمة تلمس الروح.

 افتتاحية: همسة من قمة الثلج 

تخيّل نفسك واقفًا على سفح جبل، الثلج يُقرص أصابعك، والريح تُغني أغنية قديمة لا تفهم كلماتها، لكنها تلامس قلبك. هذا هو جبل الشيخ، أو حرمون، كما يحلو لأهل الشام أن ينادوه. ليس مجرد جبل يرتفع 2,814 مترًا فوق الأرض، بل قصة حية تجمع الأساطير، الروحانية، وحتى الغموض الذي يُشعل خيال الناس. للدروز، هو مكان مقدس، ملاذ للصلاة والتأمل. لكن هذا الجبل، الذي كان يومًا موطن الملائكة في القصص القديمة، أصبح اليوم رهينة صراع، بعد أن سيطرت عليه إسرائيل منذ 1967. تعال، دعني أحكي لك قصته، من أساطيره السماوية إلى غموضه الذي يُشاع حوله.

 1. خط العرض 33: لغز يربط العالم 

جبل الشيخ يقف شامخًا على خط العرض 33° شمالًا، وهذا ليس مجرد رقم على الخريطة. هذا الخط يمر بأماكن تحمل سحرًا غريبًا: دمشق، بيروت، القدس، بغداد، وحتى مدن بعيدة مثل أتلانتا في أمريكا وناغاساكي في اليابان. وكأن الأرض قررت أن تجمع بين هذه النقاط بخيط خفي. سمعت مرة أحدهم يقول إن الرقم 33 يحمل طاقة خاصة. في المسيحية، يُذكّرنا بعمر المسيح عندما صُلب. لكن هناك من يذهب أبعد، فيقول إن الماسونيين يرون فيه رمزًا للمعرفة العليا، درجة “الاستنارة” التي يحلمون بها. بالنسبة للدروز، الجبل نفسه هو السر. كنت أجلس ذات يوم مع ابن عمي من قرية عرنا، وهو يحكي عن الجبل وكأنه كائن حي. “عندما تصعد إلى حرمون، تشعر أن السماء أقرب، وكأن الله يسمعك بوضوح”، قالها وهو ينظر إلى الأفق. الجبل ليس مجرد مكان، إنه مصدر حياة أيضًا، يغذي نهر الأردن بثلوجه الذائبة، كأنه يروي الأرض ويُنعش الأرواح.

 2. أساطير الجبل: حيث هبطت الملائكة 

منذ كنت طفلاً، كنت أحب قصص الجبل التي كان يحكيها جدي. في كتاب قديم يُسمى سفر أخنوخ، يُقال إن جبل حرمون كان المكان الذي هبطت فيه 200 ملاك من السماء، بقيادة ملاك اسمه سمياز. هناك، على قمته البيضاء، عقدوا عهدًا، واختلطوا بالبشر، فأنجبوا الجبابرة، “النيفليم”، الذين كانوا أبطال الأساطير ومصدر فوضاها. اسم “حرمون” نفسه يحمل معنى “مقدس” أو “محظور” بالعبرية، وكأنه مكان لا يُقترب منه إلا بقلب نقي. القدماء الكنعانيون كانوا يرون في الجبل موطنًا لإلههم بعل، سيد المطر والخصوبة. لكن للدروز قصتهم الخاصة. يقولون إن الجبل مكان للتأمل، حيث تتحد الروح بالله. مرة، سمعت شيخًا درزيًا يقول: “حرمون مثل مرآة، يُريك حقيقتك إذا تجرأت على النظر.” ومن يدري؟ ربما الجبل فعلاً يحمل همسات الملائكة.

 3. الاحتلال: جرح في روح الجبل 

في 1967، تغير وجه الجبل. جاءت حرب الأيام الستة، واستولت إسرائيل على جزء كبير من جبل الشيخ مع مرتفعات الجولان. بالنسبة لهم، الجبل نقطة استراتيجية تطل على دمشق وجنوب لبنان، ومصدر مياه حيوي لنهر الأردن. لكنهم يرون فيه أيضًا رمزًا دينيًا، جزءًا من “أرض الموعد” في قصصهم. لكن بالنسبة لنا، وللدروز خاصة، الجبل هو القلب. تخيّل أن مكانًا تحبه، مكانًا تشعر فيه بالهدوء، يُغلق أمامك. هكذا يشعر الدروز في الجولان. كانوا يصعدون إلى الجبل للصلاة، ليجتمعوا، ليحتفلوا. اليوم، الحواجز العسكرية تجعل ذلك صعبًا. سمعت قصة عن عجوز من قرية بقعاثا، كانت تجلس كل صباح تتأمل الجبل من بعيد، وتقول: “روحي عالقة هناك.” الاحتلال لم يسرق الأرض فقط، بل سرق جزءًا من هويتهم.

 4. الماسونية والغموض: قصص تُشعل الخيال 

في ليالي السهر، تحلو القصص عن جبل الشيخ. يقول البعض إنه “بوابة نجمية”، ممر إلى عوالم أخرى، بسبب موقعه على خط العرض 33°. آخرون يربطونه بالماسونية، تلك الجماعة السرية التي يُشاع أنها تبحث عن أسرار الكون. يقولون إن الماسونيين يرون في الجبل مركزًا لطاقة غامضة، نقطة على “خطوط لاي” التي تربط المواقع المقدسة في العالم، من الأهرامات إلى المعابد القديمة. لكن دعني أكون صريحًا: لا أحد رأى هذه البوابات أو وجد دليلاً عليها. ربما هي قصص نُحكيها لنُضفي سحرًا على الجبل. بالنسبة للدروز، الجبل لا يحتاج إلى أساطير الماسونية ليكون خاصًا. كفى أن تمشي على سفوحه، تشعر بالثلج تحت قدميك، وتسمع الريح، لتعرف أن هناك شيئًا إلهيًا يحيط بك.

 5. الدروز وحرمون: حب معلق بين السماء والأرض 

إذا كنت درزيًا، فجبل الشيخ هو بيتك الروحي. في عقيدتهم، التوحيد هو كل شيء: الإيمان بأن الله موجود في كل شيء، من الشجرة إلى الريح. والجبل، بقممه البيضاء، يُجسد هذا الإيمان. كانوا يجتمعون هناك، يصلون، يتحدثون، يشعرون بأنهم أقرب إلى الحقيقة. شاب من مجدل شمس قال لي ذات يوم: “حرمون يعلمنا الصبر. مهما طال الاحتلال، الجبل سيظل ينتظرنا.” الاحتلال جعل الوصول إلى الجبل صعبًا، لكن الدروز لم يفقدوا الأمل. لا يزالون يحكون لأطفالهم عن الجبل، عن أيام كانوا يصعدون إليه بحرية. امرأة درزية من قرية مسعدة أخبرتني: “كلما أرى الجبل، أشعر أنني أقوى. هو تذكير بأن الله معنا.” هذا الجبل ليس مجرد مكان، إنه رمز لصمودهم.

 خاتمة: أمل يولد من الثلج 

جبل الشيخ ليس مجرد صخرة مغطاة بالثلج، إنه قصة حب بين الناس والأرض. للدروز، هو ملاذ الروح، مكان يلتقي فيه الإنسان بالله. لنا جميعًا، هو لغز يحمل أساطير الملائكة، همسات الماسونية، وطاقة خط العرض 33°. لكنه اليوم، تحت الاحتلال، يصرخ من أجل الحرية. أحلم بيوم نصعد فيه الجبل معًا، دروز ومسلمون ومسيحيون، سوريون ولبنانيون وفلسطينيون، نتنفس هواءه النقي، ونترك خلفنا الحدود والحروب. يومها، سيصبح جبل الشيخ ما كانه دائمًا: بوابة إلى السماء، ورمزًا للقوة و الوحدة.

           بقلم : بسام القريشي                          

 

 


Bassam Alkarishy

19 blog messaggi

Commenti
Mary Mary 1 h

قصة جبل الشيخ قصة ملهمة حقا تستحوذ على كل ماهو مفيد وجميل تعود بنا إلى زمن الأسطورة ....سيبقى جبل الصمود جبل الامنيات ..جبل التنفس ..أنها رحلة عاطفية حقا حول جبل حرمون كرمز ساحر في بلاد الشام ...ليس غريبا أن تغني له السيدة فيروز ..ياجبل الشيخ ...يليق به أن تتغنى به كل العمالقة ..ليس مجرد جبل مرتفع إنما هو أسطورة حية يجمع بين الروحانية والغموض الذي يشغل خيال الناس في البحث عنه والتساؤل عن السر الذي يبهج النفس ويحي الروح عند الوقوف على سفحه ..هو مكان مقدس للدروز ،للصلاة ،للتأمل ،للحنين ،للحياة،مهما تكلمنا عنه قليل،انه لمحزن حقا أن يصبح هذا الجبل الاشم مكان للصراع بعد أن كان رمز الحياة ،وموطن الملائكة في قصص الخيال وقصص الواقع ،سيبقى رمز الصمود رمز الامل والتأمل ،يكاد للناظر حين النظر إليه أن تستكين الروح وتهدأ النفس لشدة السعادة الذي ينشرها عند النظر إليه يستحق الحديث عنه ومهما تكلمنا عنه قليل ،وقوعه على خط العرض 33 شمالا ليس مجرد رقم على الخريطة أنه يمر بأماكن تحمل سحرا جميلا دمشق بيروت القدس بغداد كلها اماكن مقدرة ،وتسميته حرمون جاء كناية من الحرم اي انه مكان مقدس ولا ننسى قصة الإنسان الذي رأى رؤية عند النوم على سفوح هذا الجبل العملاق عندما تحققت رؤياه لذلك أطلق عليه جبل الرؤى والنور ،فهو إطلالة سورية حصينة تطمع فيه اسرائيل ،اطلق عليه العرب اسم جبل الثلج كناية للثلوج التي تكسوه التي تشبه العمامة البيضاء رمزا للشيوخ الدروز ،ويعود السبب ببقاء الثلوج عالقة على سفحه حتى في الصيف بسبب علوه الشاهق فتبقى الحرارة منخفضة عليه ،وهذا يساعد على تجمد الثلوج عليه حتى في أواسط تموز،انه ليس مجرد.مكان إنما هو مصدر حياة عند الصعود إلى حرمون تشعر وكأنك اقرب إلى الله يوحي بالنور بالسكينة ،الملاك الذي اسمه سمياز عندما هبط مع مجموعة من الملائكة اختلطو مع البشر واخذو عهدا وانجبو الجبابرة تلك الأسطورة التي جميعنا نعرفها اوسمعنا عنها ،تحدثت بكل وضوح وشفافية عن هذا الصرح المقدس مكان الامل والنور والطمأنينة والراحة النفسية مصدر الامل والروحانية ،كل الشكر لك و
لمعلوماتك القيمة التي اتحفتنا بها دوما تنثر كل ماهو مفيد و ذو فائدة علمية وإنسانية تحية للعقل الساطع والقلم الواعي والروح الجميلة التي تنشر دوما عبيرها على من حولها من ثقافة ومعرفة وعلم ونور مهما تكلمت قليل لم اوفيك حقك على جهودك المقدرة ،فلنسعى جميعا لنشر هذه المدونة وليعلم الجميع قيمة ومكانة هذا الجبل المقدس ،الى المزيد من التألق والابداع مع نشر كل ماهو جوهري ونادر تحياتي لك وليراعك المبدع استاذي المقدر .